بعد روايته (الإرهابي 20) كان المأزق الحقيقي للروائي عبدالله ثابت في روايته الأخيرة (وجه النائم) الصادرة عن دار الساقي هو تجاوزه ما حققه من نجاح في (الإرهابي 20) والتحرر من ربقتها، ذلك المأزق الذي وقع فيه كثيرون من كتاب الرواية فظلوا أسرى أعمالهم الكبيرة في الموضوع أو الطرح أو المعالجة (الشطار لمحمد شكري بعد الخبز الحافي كمثال).. إلا أنه في روايته (وجه النائم) أكد بما لايدع مجالآ للشك امتلاكه وتمكنه من أدوات الكتابة في حقل الرواية وبامتياز حيث جاءت (وجه النائم) مختلفة تمامآ ومتميزة بجدارة في الرؤية والفكرة والموضوع والمضمون والطرح والمعالجة.. في الشكل والنهج وطبيعة النص وتوظيف المفردات والتحليل النفسي وتسخير المعلومات والبناء على النصوص والمفاهيم الدينية.

(وجه النائم) رواية تجاوز بها ثابت المكرور والمألوف والمعتاد من أطروحات ومواضيع ليتعرض لعوالم الحلم والغيب والصدف الموازية لعالمنا بواقعه وحقائقه وبدهياته وأطره وأنساقه فقدم مجموعة من الرؤى والتساؤلات الفلسفية الفكرية العميقة المتمحورة حول الصلة والعلاقات والروابط بين تلك العوالم وعالمنا من خلال عمل روائي محكم بأسلوب خلاب ولغة شفافة وصور متقنة أظهرت الفيلسوف والعالم وخبير النفس والألسني والمفكر في شخصية عبدالله ثابت.

أظهرت الرواية رفض ثابت لحياة تنساق وراء أنماط بليدة مؤطرة بسياقات ممجوجة ومشبعة بمنهجية مبتذلة وبحثه عن المختلف والآخر والبعيد وغير المطروق ممايعكس قلقا دفينا وألما متجذرا وحزنا عميقا وتجربة مريرة ورفضا تاما لواقع مليء بالمغالطات والتجاوزات استمرأتها المجتمعات فأضحت واقعآ وتقاليد وأعرافا.

وكما هو الإبداع في المضمون فقد جاء الإبداع في الشكل، إذ تمكّن ثابت من خلق نهج جديد في شكل الرواية خالف فيه كل أعراف الكلاسيكية فلم تأت الرواية كنص سردي يبدأ في صفحة (أ) وينتهي في صفحة (ي) مقسما إلى أجزاء بين هذه وتلك وإنما جاء العمل بمجمله كلوحات منفصلة تخلق بجمعها رواية متصلة متناغمة متمازجة حيث تبدأ بملحوظة ثم إمضاء تعقبه تنبيهات تقود إلى لفافة ثم (غسان)، اللوحة الرئيسة، على هيئة أجزاء تتخللها منامات ولفافة، يلي ذلك ملحق باللفائف وآخر بالمنامات ثم لفافة فمنام ليضع بعده آخر لوحة وهي عبارة عن ثلاث تنبيهات.

اخيرآ..إذا كان (وجه النائم) هو عنوان الرواية، اختاره عبدالله ثابت بدراية وحذق، فهو أيضآ رواية في عنوان، فالوجه مركز التعابير ومحور الرسائل وبؤرة الاتصال وبوابة العبور بين الداخل والخارج. والنائم هو الحالة التي تحقق الوجود والغياب في آن واحد، هنا وهناك، المعلوم والمجهول، عالم الواقع المرئي ،المعاش الملموس، وعالم الغيب والأحلام والرؤى والبعيد، وربما المأمول.

(وجه النائم) رواية إبداع بحق.



* أكاديمي سعودي