تقع مدينة الزهرة أو الزهراء على ضفاف وادي مُوْر الشهير الذي يستمد سيوله من بلاد حَجُوْر وحاشد ولاعة وكهلان وشِبَام كوكبان والمَحْويْت وخلافها من سروات اليمن الممتدة إلى الشمال من صنعاء، ويصبّ في البحر الأحمر بعد أن يروي مساحات شاسعة من الأطيان الزراعية الخصبة في سهل تهامة الذي لا تنقطع خضراؤه لا في صيف ولا شتاء. وهي من المدن التي تأسست في عهد الدولة السعودية الأولى حينما مدّت نفوذها في أعماق اليمن إلى ما بعد مدينة زَبِيْد التاريخية في تهامة، وإلى قُرَيْب كوكبان في الجبال على بعد حوالي 45 كيلومترًا إلى الشمال الغربي من صنعاء. وكان تأسيس هذه المدينة على يد الشريف حمود بن محمد الخيراتي، أحد أبرز من ملك منطقة جازان (المخلاف السليماني) من الأمراء الأشراف آل خيرات، وأشدهم عزيمة، وأجرأهم على خوض المعارك، ومقارعة الخصوم.

شهد عهد الشريف حمود موالاته للدولة السعودية الأولى، ومبايعته لقادتها في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز الذي تولى الإمامة بعد مقتل والده ـ رحمه الله ـ وهو يؤدي صلاة العصر في مسجد الدرعية عام 1218. وتحت راية الدولة السعودية الأولى، انطلق الشريف حمود الملقب بأبي مسمار موغلاً في الأراضي اليمنية حتى وصل إلى حَيْس بين تَعِزّ وزَبِيْد، وأجبر الإمام المتوكل على الله أحمد بن علي بن عباس (1231هـ) على توقيع صلح معه يعترف به ملكاً على ما تحت يده من البلاد. وقد جرى هذا الصلح باطلاع شيخ الإسلام القاضي محمد بن علي الشوكاني، مفتي الديار اليمنية -حينذاك- كما يقرر ذلك بنفسه في كتابه: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (ج2،ص241).

وقد عُرف الشريف حمود إلى جانب خوضه للمعارك، وحروبه التي لا تكاد تتوقف في كل اتجاه حتى وفاته في قرية الملاحة بمنطقة عسير سنة 1233هـ، وهو يجالد الأتراك هناك، عُرف ـ رحمه الله ـ إلى جانب ذلك كله بحبه للعمران، وتركه مآثر خالدة، منها تعمير حصن بَاجِل، وتجديد سور مدينة زَبِيْد، وتعمير سور الحُدَيْدَة، واختطاط مدينة المُخْتَارَة في بلاد عَبْس سنة 1227هـ، وسك النقود المنسوبة إليه في كل من أبي عَرِيْش، والمختارة والزهرة، وزبيد. وقد وصلتنا نماذج من هذه السكة المنسوبة إلى تلك المدن المذكورة درسها الدكتور فيصل الطميحي في أطروحته التي حصل بها على الدكتوراه من قسم الآثار بجامعة الملك سعود، ونأمل أن ترى النور قريباً.

على أن من أهم المعالم الخالدة المنسوبة إلى الشريف حمود تأسيسه لمدينة الزُّهْرَة أو الزَّهْرَاء، موضوع هذه المقالة المتواضعة، وجعلها مقراً له يستقبل فيها الوفود، ويسيّر منها المقاتلين إلى سائر البلاد التي تحارب معها، وكان يسند أعمال المخلاف والجهات الشامية إلى وزيره الملهم الحسن بن خالد الحازمي الذي كان يطلق عليه في زمانه وزير السيف والقلم، وكان الشريف حمود يجيء إلى أبي عَرِيْش (عاصمة إمارته) وسائر المخلاف كلما ألمّ بها خطب (البهكلي، نفح العود في سيرة دولة الشريف حمود، تحقيق محمد بن أحمد العقيلي، ص251،314)، وهي مدينة حسنة، فيها مبانٍ كثيرة تنسب إلى مؤسسها الشريف حمود وقفت على معظمها، ولها إطلالة جميلة على سُرَّة وادي مَوْر، وهذا ما أكسبها أهمية زراعية؛ لكون أرضها تجود بمختلف أنواع الحبوب المتعارف عليها في تهامة، بجانب ما تنتجه من أنواع الفواكه بما فيها الموز والباباي وغيرهما، وهي إحدى مديريات محافظة الحديدة، ومن أهم بلدانها: بِجَيْلة، والذنبة، والجرائب، والرنف، والعراجة، وغرِّير، والكدحة، والمراوغ، والهَيْجَة، وجبل عبل، وقلعة الطعام، وبنو مَكِّي، ودير أبكر، والخميس، ودير المغَدّ، والمحصام، والغرزة وغيرها (إبراهيم المقحفي، معجم البلدان والقبائل اليمنية، ج1، ص748).

وقد زرت الزهرة قبل أكثر من 15 عاماً، وقابلت بعض رجالاتها من الأشراف آل الخيرات الذين يعتزون بانتمائهم إلى شاميّتهم (أي إلى الشمال)، وانتسابهم إلى بني عمومتهم في المخلاف السليماني (حالياً منطقة جازان)، وتواصلهم القوي معهم، وعلمت أن لهم أقارب يسكنون الحديدة عاصمة المحافظة التي تتبعها مدينة الزهرة، وجميع البلدات التي تشتمل عليها مديريتها. وتشبه عمارة بعض الأبنية في مدينة الزهرة نظيراتها من المعالم المعمارية الباقية في مدينة أبي عَرِيْش، عاصمة إمارة آل خيرات مما ينسب بناؤه إلى الشريف حمود بن محمد الخيراتي أو إلى ورثته من بعده.