بنية التأليف المسرحي السعودي "بين التأصيل والتجريب" سامي الجمعان نموذجاً، لمؤلفه الدكتور سعيد كريمي، من إصدارات أدبي أبها 2015 من القطع الوسط ويقع في 188 صفحة. قسّم المؤلف كتابه إلى ثلاثة فصول، جاء فصله الأول بعنوان "التمسرح التاريخي استعادة للذاكرة الجماعية"، وتناول فيه مسرحة "الأعشى: صناجة العرب" لسامي الجمعان، من تفكيك الشعرية إلى صنع الرؤية الجمالية، في التوطئة اشتغل الجمعان على الأعشى في مشروعه مسرحة التراث وبيان سلطة الشاعر وأهميته بوصفه لسان حال قبيلته، وفي "الأعشى أيقونة الشعر الجاهلي" عرّف الجمعان الأعشى سيريا، وشخصيات النص وبيّن كيف رسمها المؤلف لتحاور الجمهور، من خلال تجريب إدماج السينما بالمسرح، ونقل المشاهد من شخصية لأخرى،  وفي "تجاور المسرح والسينما، أو التجريب المزدوج" يؤكد المؤلف على وعي الجمعان في النص المسرحي بأهمية الصورة السينمائية في ذهنية المشاهد ودورها في ربط الأحداث، وتمكنه من مسرحة الشخصية الشعرية بحرفية واضحة.



مسرحة المواقع التاريخية

وفي الحلم المجهض للإسكندر المقدوني، أو "ملحمة الجرهاء: سر المدينة المفقودة"، عكست هوس الجمعان بمسرحة المواقع التاريخية لمناطق شرق السعودية، وتمكنه من ذلك دون الوقوع في مطب التأريخ المباشر للأحداث، وفي "السينما والتمسرح التاريخي "لجأ الجمعان إلى تقطيع النص المسرحي شبيه إلى حد بعيد بالسينما وأسماه بـ"سيناريو وحوار وأتخمه بمجموعة لقطات سينمائية، نافيا الحدود بين الشعريات الفنية والأجناس الأدبية، مما يؤكد على كسب "الجمعان" على رهان المسرح ومسرحة التاريخ.

وتناول المؤلف تحت عنوان "مسرحة إسلام العقل قبل القلب (ملحمة الحلم والأناة) قصة إسلام بني عبدالقيس، الجزء الأول"، مَسْرَح الجمعان الواقعة التاريخية المرتبطة بإسلام "بني عبدالقيس" بطريقة سردية تحتفي بسحر حوارات وشاعرية المواقف، تجلى بربطه للماضي بالحاضر، وفرض على المتفرجين طرحا للمناقشة، وتكوّن الجزء الثاني من النص من نفسين ملحميين ومجموعة شخصيات.

وتضمن الفصل الثاني "مسْرحة التجارب والشخصيات، الفتح المسرحي لمكة بين الاستنبات والممانعة من خلال مسرحية (حدث في مكة)". هدف الجمعان من خلاله الدفع  بالمسرح السعودي للحاق بركب التجارب العربية والعالمية، وتسليط الضوء على تجربة إقدام أحد رواد المسرح السعودي الراحل أحمد السباعي بتشييد مؤسسة مسرحية من ماله الخاص واستقدام مخرج مصري لتنفيذ عدد من النصوص.



التراث والأعلام

ويستحضر الكاتب نص "موت المؤلف" للجمعان في إطار "مسرحة التراث والأعلام العربية" ومنهم الفنان السوري سعد الله ونوس وكشف دوره الرائد في نهوض وتطوير المسرح العربي وبقي "مسرح التسييس" الذي اقترحه علامة بارزة في خارطة المسرح العربي، إلى جانب اقتراحات أخرى لتوفيق الحكيم ويوسف إدريس وعز الدين المدني وعبدالكريم برشيد.. وبيّن المؤلف كيف دافع الجمعان من خلال زيارة شخصيات افتراضية لقبر سعد الله ونوس ومنافحته عن الفن، وفجّر الجمعان في نصه هذا نقاشا هادئا بين جيلين حداثي ومحافظ، وأشار بنوع من الألم إلى واقع المسرح السعودي الذي تواطأ عليه نقاد وساسة ومهتمون لطمس معالمه.



تثقيف الطفل

وتناول الفصل الثالث "مسرح الطفل رهان الأمل والمستقبل" وطرح نص "باب الحياة"، للجمعان نصوصا خاصة بالأطفال تتضمن قيما كونية كبرى وتغرس فيهم التسامح والمحبة والاحترام وقبول الآخر، وبهذا التنويع الكتابي يقدم الجمعان مشروعا يخدم فلسفة المسرح، وساعده على ذلك كون نصوصه كتبت بعين المؤلف المخرج الذي يعي جيدا العلاقات الكائنة والممكنة والمحتملة بين النص والعرض.