يعرض مركز بن صالح الثقافي بعنيزة، مساء بعد غد، مسرحية "ولادة متعسرة"، من تأليف الكاتب الروائي عبدالعزيز الصقعبي، الذي عرف كاتبا مسرحيا انطلق من مدينة الطائف قبل حوالى ثلاثة عقود. "الوطن" سألت الصقعبي حول ما إذا كانت تجربة عنيزة بعد غد تمثل له عودة مجددة للمسرح، بعد بدايات الطائف؟ فرد بقوله: أنا لم أغادر المسرح حتى أعود إليه، كتبت نصوصي، احتفظت بها زمنا طويلا، أضفت إليها ما يستجد من نصوص، ثم جمعت أغلبها لتصدر عن وزارة الثقافة والإعلام تحت مسمى "صفعة في المرآة ومسرحيات أخرى". مسرحية ولادة متعسرة التي كتبتها منذ زمن طويل كانت من ضمنها، وحقيقة سعدت كثيرا بأن تنفذ في عنيزة، بكل تأكيد جهد يحسب لمركز بن صالح، وضمن نشاط مسرحي ليست ولادة متعسرة الأولى به ولن تكون الأخيرة، بإشراف ومتابعة الصديق علي السعيد، وأنا أتحدث إليكم لم أشاهد المسرحية بعد، ولكن أثق كثيرا بقدرات مجموعة عنيزة المسرحية، وبإذن الله سيقدمون شيئا متميزا ومختلفا.

وتابع الصقعبي: أكرر أنني لم أغادر المسرح لأعود إليه، ولكن أنا مبدع أكتب النص الذي أريده وليس ما يريده الآخرون، هنالك من يكتب ويستجدي بعض المسرحيين لتنفيذه، ولو كان النص متهالكا، لا يهمه كيف يكون النص، فالمخرج والممثلون سيتكفلون برتق عيوبه، بالنسبة لي النص المسرحي يمثل حالة إبداعية، مثل القصة القصيرة والرواية، أكتبها بقناعة وفق رؤيتي، وانعكاسا لثقافتي، أمر آخر ومهم بالنسبة للمسرح، وربما نتفق عليه جميعا هو أنه لا يوجد مسرح في المملكة ولكن هنالك اجتهادات بعض المسرحيين، لذا نجد أن هنالك ورشا مسرحية تألقت وقدمت أعمالا رائعة، وهنالك أفراد يحضرون أحيانا ويقدمون أعمالا جيدة، وبعد ذلك يختفون.


الطائف وغواية الرواية

وحول ما إذا كان حضور السرد وغواية الرواية قد أغريا الصقعبي؟ قال: وجدت نفسي منذ بدأت أكتب في حصة التعبير المدرسية في المرحلة الابتدائية ساردا، أحببت الشعر، ولكنني لم أفكر بل لم أجرؤ أن أقول بيتا أو مقطعا شعريا، عالم السرد هو النسق الذي أعيشه وأعيه، لذا عندما فكرت أن أكتب، شرعت بكتابة نص روائي "فعلاً حدث هذا في بداياتي الكتابية"، أحداث وشخوص متعددة، لحسن الحظ أن ذلك النص احتفظ به مطر الطائف، لذا فعالم السرد عالمي وغواية الرواية أحاول أن أمارسها.

وعلى ذكر الرواية والطائف يرى البعض أن الصقعبي قدم تجربة جميلة عن الطائف في روايته "طائف الأنس"، فيما يرى البعض أنه وقف على الأطراف، ولم يغص في عمق الطائف فيما يعلق الصقعبي قائلا: عنوان "طائف الأنس" تحول إلى مأزق، الطائف حاضرة في أغلب أعمالي القصصية والروائية، وهذه الرواية سميتها "الكشتبان" ولكن نصيحة الناشر وبعض الأصدقاء الذين قرأوا الرواية قبل الطباعة، فضلوا تغيير العنوان من كلمة لا يعرفها الجيل الجديد إلى عنوان جاذب، وهو موجود في الرواية، فكان "طائف الأنس"، أنا أتفق مع من يقول إنني لم أغص في عمق الطائف، ولكن بكل تأكيد أهرب من نسق المؤرخ، الذي يرصد تاريخ مدينة مثلاً، أنا قدمت شيئا بسيطا عن المدينة التي أحببتها، ولدي الكثير عن الطائف ربما يتضح في أكثر من عمل مقبل. طائف الأنس جاءت بعد روايتي رائحة الفحم وحالة كذب، أعتبرها استراحة، العمل بسيط يتناول شريحة من مجتمعات الطائف وهم "الشروق"، وأن كنت أميل في هذه الرواية إلى الحكاية البسيطة، لأشخاص عاشوا في الطائف، العلاقة بين الأب وأبنائه، الأحلام الواهية التي تجمعها قطعة سحرية مثل "الكشتبان" الذي يجمع الجدة بمن يحب، ليتحول إلى لعنة، يفرق ولا يجمع، شخصيات مختلفة تمثل حالات بشرية موجودة فعلا في مجتمعاتنا، بعضها وصولي والبعض سلبي، مجتمع به الأنس وبه التعاسة.

وفي عمله "مقامات النساء" انحاز الصقعبي إلى شريحة المرأة، غير أنه حاورها، خارج الحدود، في مسقط، فما هي الرؤية الفنية التي استند إليها، لطرح العمل من الخارج؟


شعلة النص

يقول الصقعبي: صدقني أساس القصة حقيقي، كنت مع صديقين متجهين من المطار إلى منتجع خارج مسقط، وأضعنا الطريق، وكان الدليل ثلاث نساء خليجيات إحداهن تقود سيارة أميركية الصنع، تبعنا سيارتهن، حتى وصلنا إلى المنتجع، "قلت ذلك صراحة في الرواية" غادرن مباشرة من عند بوابة المنتجع، وأوقدن شعلة بداية النص، وحقيقة كانت تجربة ممتعة لي للخروج من العالم الواقعي للعالم التخيلي، لم أقل للأصدقاء الذين حضروا معي للملتقى العلمي وعلقوا كثيرا على ضياعنا، والمرأة المنقذة، عن مشروع الرواية، حتى فاجأتهم بها. الرواية بها شرائح متعددة لنساء في الداخل والخارج، والأهم تلك المقامات المتعددة بينهن، بكل تأكيد ليست مقامات تحمل نسقا موسيقيا رومانسيا، بل مقامات تحمل حسا واقعيا.

والصقعبي أكثر مجايليه هدوءا وبعدا عن الصخب، فهل لسماته الشخصية هذه انعكاس على نتاجه الكتابي؟ يقول: الحمد لله.. أنا لا أحب مطلقا أن أدخل في صراعات، لثقتي بأن البقاء للأصلح، أحيانا أستمع لبعض الآراء حول بعض كتاباتي، قد تكون حادة وسلبية ولكن أعرف بكل ثقة "وهذا ليس غرورا" أن الرأي الذي سمعته ينبع عن جهل أو سوء فهم، لأنه في المقابل تطالعني آراء إيجابية كثيرة، الصخب غالبا يصدر من الأشياء الفارغة، وأنا أحرص أن أكون ممتعا وليس مزعجا.

ويذهب الصقعبي إلى اعتبار أن انتماءه لثقافة مجتمعين "نجد والحجاز" ثروة لا تقدر بثمن، لأن في كل مجتمع وجوها لرجال ونساء متعددة ومختلفة. ويضيف: كمبدع لا أواجه مشكلة في اختيار شخصية معينة لتكون رئيسة في رواية ما، ليست الملامح فقط بل الروح، الطبيعة، السلوك، فشخصية "دخيّل" في رواية "اليوم الأخير لبائع الحمام" والتي تعيش في حي الصالحية في مدينة الرياض، ربما استلهمتها من أشخاص قابلتهم في الطائف، أو في مكة أو في جدة، وألبستها الثوب النجدي، الأمثلة كثيرة، آمل أن أمتلك وقتا "وهذا ما يفتقده الكادحون مثلي في الرياض"، لأتمكن من منح حرية الحركة والعيش لشخصيات احتجزها في ذاكرتي مرغما.