عن ثلاثة أندية أدبية، وفي فترة واحدة، أصدرت الشاعرة الدكتورة فاطمة القرني ثلاثة دواوين شبيهة بالتوائم المتشابهة، وذلك ـ كما أزعم ـ فعل استدراكي جاء بعد إنهاك العمل العلمي الأكاديمي الذي يأخذ المبدع عن إبداعه، حتى إنه يعده في سقط الجمال، ثم يتنبّه إليه بعد حين، ليكتشف أنه البقاء، وأنه صورة الروح معكوسة على مرآة اللغة.

فاطمة القرني في: "عندما غنّى الجنوب" الصادر عن نادي أبها، و"مطر" عن نادي الرياض، و"احتفال" عن نادي تبوك، تكشف من خلال الأندية والأمكنة عن عواطفها وانتماءاتها المكانية؛ فهي الجنوبية، التي قضت من عمرها زمنا في تبوك، لتستقر أخيرا في الرياض، ولذا أهدت كل حبّ قصائده، لتكون أنموذجا لامرأة يشكلها وطن، لأنها تنتمي بالحب إلى كل مكان كانت لها فيه ذكرى، أو صار فيها إليه حنين.

وهنا أسرد بعضا مما اختزنته نظرات سريعة في توائمها الثلاثة:

- عناوين دواوينها الثلاثة - في الأصل – هي عناوين لقصائد تحويها هذه الدواوين، وتلك طريقة متبعة وسائدة في العنونة.

- المقدّمات النثريّة التي كتبتها مقدمة واحدة، وربّما لجأت إلى توحيد المقدّمات بسبب ولادة التوائم في فترات متقاربة، مما يؤكد على فكرة التوأمة، كما يظهر من خلال المقدمة الثلاثية، أن الشاعرة متأثرة بالمنهج العلميّ في كتابة المقدّمات؛ إذ حرصت على بيان طريقة الترتيب، وربّما حاولت تبرير شيء ممّا تظن أنّه سيؤخذ عليها.

- لجأت الشاعرة إلى الهوامش لشرح بعض المقصود، أو المفردات في بعض القصائد، وليست هذه الطريقة شائعة ولا سائغة في الدواوين الحديثة، بيد أنّها تكاد تكون نهجا عند فاطمة القرني، حيث تتجاوز إيضاح الغامض من أسماء الأماكن إلى شرح بعض غريب اللغة، وذلك عائدٌ إلى اشتغالها بالبحث الأدبي، مما يؤكد على تداخل الأدبي والعلمي في شعرها، ليكون أنموذجا لشعر الأكاديميين، لكنه أنموذج "شاعر" لا متشاعر.

وللحق، تحوي الدواوين الثلاثة نماذج ممتازة وممتعة وخادمة للدرس النقدي، بل ودالة على لغة وروح ليستا إلا لفاطمة القرني وحدها.

من نماذجها المطربة، قصيدة "عندما غنّى الجنوب"، حيث يتحوّل الحنين إلى المكان، إلى فلسفة خاصّة لمعاني الانتماء إلى الأرض، يتخلّلها سرد عناصر المكان وخصائصه الطبعيّة بطريقة شاعريّة، رابطة حنينها بإشارات إلى حبيب ينتمي إلى ذلك المكان، وكأنّ التوق إليه قد استدعى التّوق إلى المكان، أو أنّ التّوق إلى المكان قد استدعى التوق إلى ذاك، تقول:

كلّ ما فينا قلوب!!

آه يا وجْد الجنوبْ

فيم أحكي... ولمنْ؟!

أنت منْ ذات الوطنْ..

جنّة الأحلام...

والحسن الطّروبْ!!

وأنا... أنت.. كلانا...

روح شاعرْ...

أيّنا يقوى على نوح الغروبْ؟!

فلنحاولْ.. فلنغامرْ..!

قمْ معي...

قدْ نرجع الشّمْس...

إلى بدء الزّمنْ!!

فلنحاولْ...

ربّما..

أو... ربّما...

أو... ربّما...!!

أو فساعدْني إذن...

هاك كفّي.. نكتب الآن…

على كلّ دمْعات الغروبْ:

"آه يا إرْثا ورثْنا.. منْ غمامات الجنوبْ

آه منْ هذا الشّجنْ…!

ليتها ما كانت الأشعار يوما…

ليت أنّا لمْ نكنْ…

… ليت أنّا لمْ نكنْ!!"