أسر معدمة.. عمالة مخالفة.. منازل آيلة للسقوط.. بيئة خصبة لانتشار الأمراض هذا هو حال حي المصانع الذي يبعد عن الحرم النبوي نحو 1500 متر.. ويعكس صورة سلبية للتطور الذي تشهده المنطقة المركزية بالمدينة المنورة.

حي المصانع.. اكتسب اسمه لكثرة الورش التي كانت تنتشر في شوارعه قبل نحو 3 عقود، مما استدعى كثيرا من سكانه إلى هجره لتحل مكانهم الأسر الفقيرة، كما أصبح بؤرة للعمالة المخالفة التي عادة ما يساهم تجمعهم في ارتكاب مختلف الجرائم وبيئة خصبة لترويج المخدرات والممنوعات.

الحي الواقع شمال المنطقة المركزية للحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة.. يعتبر من ضمن المناطق الأغلى عقارياً وتجاوز سعر المتر المربع الواحد آلاف الريالات.. ويعود ذلك إلى حب الجوار لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم وما تتميز به المدينة المنورة من راحة نفسية وبركة في العيش.

عدسة "الوطن" خلال جولتها في الحي قوبلت برفض كثير من القاطنين التصوير دون الإفصاح عن أسباب ذلك واكتفوا بتسجيل همومهم ومطالبهم لنشرها حيث وصف بعضهم حالهم بالقول "إنهم أناس لا يجدون ما يسد جوعهم وتخلوا عن الذوق من أجل الحاجة فوجدوا من بقايا طعامهم مصدر دخل لهم ولسان حالهم يقول... هل الخوف من الحاجة إلا الحاجة ذاتها؟."

تجارة بسيطة

أم يوسف (82 عاما) سيدة تقطن الحي منذ عشرات السنين.. استغلت أرضا فضاء أمام منزلها لتكون تجارة بسيطة تسد بها حاجتها دون النظر إلى ما في أيدي الناس.. وتقول في حديثها المقتضب لـ"الوطن" :أجمع بقايا الخبز من المطاعم والجيران وأحتفظ بها في أكياس كبيرة.. وأقوم ببيع الكيس الواحد بـ15 ريالا على ملاك الأغنام ويكون هذا المبلغ اليسير مصدر دخل لي ولأطفالي," وتتابع "وأمارس ذلك منذ نحو 10 أعوام وفي المكان نفسه."

وتمثلت مطالبات أم يوسف في تأمين سكن لها ولأسرتها، بالإضافة إلى "العمل على تكثيف النظافة في الحي بعد أن أصبحت الروائح الكريهة تهددهم."

ذكريات

المواطن خليل حمدان (67 عاما) تسمرت عيناه في أحد شوارع الحي القديمة الضيقة متذكراً ما عاصره في شبابه داخل الحي القريب من المسجد النبوي الشريف، وقال "تغير طابع الحي كثيراً.. فالجيران انتقلوا إلى أحياء أخرى.. وأصبح الوضع غير مطمئن بالنسبة لأرباب الأسر بعد تزايد الأجانب غير النظاميين"، مطالباً الجهات المختصة "بسرعة إزالة المنازل الآيلة للسقوط وترميم وتطوير الصامدة فهي صورة جميلة تعكس الماضي الدفين والحاضر الزاهد."

وصنف حمدان الأسر التي تقطن الحي بالمحتاجة، وأضاف "هم محتاجون يسكنون منازل شعبية وآيلة للسقوط على أراض قيمتها بالملايين" وتطرق إلى الأرض التي تخزن فيها أم يوسف الخبز لبيعه، وقال "الأرض التي تستخدمها هذه المسنة لا يقل سعرها عن 5 ملايين ريال فهي لا تبعد سوى أمتار قليلة عن الحرم النبوي الشريف."

بيئة خصبة للممنوعات

وعلى الصعيد ذاته، يقول المواطن محمد السالم (37 عاما) وهو أحد سكان الحي "بمجرد سماعي للأذان أذهب سيراً على الأقدام لتأدية الفريضة في المسجد النبوي" دلالة على قرب الحي من المنطقة المركزية بالمدينة المنورة ويتابع " حي المصانع الذي يقع شمال الحرم يسكنه ما يقارب 14 جنسية عربية وآسيوية وأفريقية، وهذا التنوع وفر بيئة شبه عشوائية وفرت السكن لهم في الصفيح أو المنازل الخربة.. وهو ما وفر لهم بيئة خصبة لمزاولة الممنوعات".

في حين يرى عمر حامد (46 عاما) أن أبرز الحلول التي يجدها سكان المنطقة للقضاء على العشوائية في الحي بإعادة التنظيم، وقال "يجب مسح المنطقة بالكامل وإعادة بنائها بشكل دقيق ومنظم.. مع حفظ حقوق المواطنين ملاك الأراضي والمتضررين من عشوائية الحي الذي يجب أن يكون واجهة حضارية لمنطقة المدينة المنورة بشكل خاص وللمملكة على وجه العموم."

أرقام فلكية

وعن نسبة الإقبال على النشاط التجاري العقاري أكد أحد ملاّك مكاتب العقار منصور الحربي "أن أبرز أسباب العزوف من تجار العقار عن هذه المنطقة ارتفاع أسعارها وقد تصل الأراضي بالمنطقة المركزية المجاورة للمسجد النبوي لأرقام يصعب تحديدها."

وأضاف "نعاني كثيراً مع أصحاب المنازل القديمة المجاورة للمنطقة المركزية فالكثير منهم يحتفظ بالمنزل طمعاً بارتفاع العقار في الحي أكثر مما هو عليه الآن."

ترميم التراث

من جانبه، قال عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالمدينة المنورة عبدالغني الأنصاري "يجب المحافظة على الأحياء القديمة من خلال ترميمها وجعلها من التراث الذي يتوارثه الأجيال."

وعن حي المصانع تحدث الأنصاري "يحتفظ بعض ملاّك المنازل القديمة بها بغرض ارتفاع أسعارها.. ولكن أرى أن يجتمع ملاّك المنازل بإنشاء شركة عقارية بمسمى الحي نفسه ويعود هذا الأمر بالمردود الجيد على الحي نفسه."

وبين الأنصاري أن الغرفة التجارية الصناعية على استعداد لإنشاء الشركات وتخطيطها وإدارتها وتعود الأرباح على سكان الحي.

حملات أمنية

كما أوضح الناطق الإعلامي لشرطة منطقة المدينة المنورة العقيد فهد الغنام أن الشرطة من خلال أجهزتها المختلفة تقوم بدورها الأمني بكل اهتمام من خلال تنفيذ عدد من الحملات الأمنية؛ نظرا لما لهذه الحملات الأمنية من نتائج إيجابية من أبرزها تقليل فرص نشوء الجريمة.

وتابع "هناك كثير من الحملات التي قامت بها شرطة المدينة المنورة مؤخراً.. طالت كثيرا من الأحياء العشوائية وأسهمت في كشف كثير من المخالفات والتجاوزات التي تم التعامل معها طبقا للأنظمة والتعليمات."

ولفت العقيد الغنام إلى أهمية دور المواطن والمقيم بالتعاون مع رجال الأمن من خلال الإبلاغ عن أي ملاحظة تسترعي الانتباه؛ مشددا على أهمية ذلك التعاون باعتبار المواطن أو المقيم هو المستفيد الأول من الخدمات الأمنية.

تطوير العشوائيات

ومن جهته قال الناطق الإعلامي بأمانة المدينة المنورة المهندس عايد البليهشي في رده عن دور الأمانة تجاه الحي "إنه سعياً من الأمانة في تطوير المناطق العشوائية المنتشرة في أنحاء المدينة المنورة ومنها منطقة المصانع.. فقد قامت الأمانة بإعداد دراسة تطويرية تهذيبية لجميع المناطق العشوائية ومنها منطقة حي المصانع لتشمل إعداد رفوعات مساحية للعقارات القائمة والشوارع القائمة في الطبيعة وربطها مع الشوارع المعتمدة في المخطط الهيكلي، ومن ثم إعداد فكرة تخطيطية تحافظ قدر الإمكان على المواقع القائمة والتقليل من الاختزالات وتوسعة الشوارع القائمة بما لا يخل بالعقارات القائمة ومحاولة استغلال الفراغات الموجودة في الطبيعة كالساحات ومواقف السيارات لخدمة سكان هذا الحي."

دراسات تطويرية

وأشار المهندس البليهشي إلى أنه تم رفع هذه الدراسة إلى الوزارة لاعتمادها ليتم التمشي بموجبها عند إصدار رخص الإنشاء والترميم، كما تقوم البلديات الفرعية كل في نطاق حدود عملها بصيانة الأسفلت وأرصفة وإنارة الشوارع القائمة في الطبيعة وفقاً للدراسات التطويرية المعتمدة وتنفيذ الشوارع المتاحة التي يمكن تنفيذها وفقاً للدراسات التطويرية ونزع ملكية ما يعترض بعد التنسيق مع الجهات ذات العلاقة بالأمانة.

وعن معالجة ما يتعلق بتمسك ملاك المنازل بمنازلهم القديمة رغبة في ارتفاع قيمة العقار قال المهندس البليهشي "إن تطبيق الدراسات التطويرية للمناطق العشوائية يتم تدريجياً عند تقدم أصحاب هذه العقارات بطلب رخص إنشاء أو تعديل أو ترميم حيث تتولى الأمانة وضع خطوط التنظيم لهذه المواقع وفقاً لدراسة المنطقة ومتابعة تنفيذها."

كما أوضح عن وجود عدة لجان في البلديات والأمانة مع جهات حكومية أخرى تقوم بمعالجة المنازل القديمة التي عادة ما يتمسك بها أصحابها طمعا في ارتفاع أسعارها دون مراعاة سلامة الآخرين نتيجة تهالكها وذلك وفق آليات معينة، حيث إن هناك لجنة تتخصص بمعاينة الدور الخربة وهناك لجنة أخرى تقوم بمعاينة الدور الآيلة للسقوط، ولكل منهما اختصاصات معينة تقوم من خلالها بطلب صاحب المنزل وإبلاغه بضرورة ترميم أو إصلاح منزله.