إذا كان رمضان قد تحول موسمًا للسباق الدرامي، فإنه كذلك يضع أعماله في ميزان التقييم والحكم الفني، حتى يتحول الأمر إلى ما يشبه البورصة التي تصعد بعمل ما،وتصعد بالتالي بعناصره الفنية المتمثلة بالممثل والمخرج والمنتج، وغيرهم من الكوادر. وفي رمضان الحالي، صعد الجمهور بعمل «باركود» من بطولة أسعد الزهراني ومحمد القس ومحمد جبرتي، واستقبله بترحاب شديد، كما رأى فيه النقاد خطوة مهمة لنجمه الزهراني، يمكن أن تقوده لقمة جديدة في الأداء الفني.

في المقابل وجه نقاد فنيون انتقادات شديدة ولاذعة لعمل «ممنوع التجول» الذي قدمه الفنان ناصر القصبي، والذي سبقته حملة إعلانية محفزة وقوية، لكن حلقاته التي عرضت حتى الآن، وعلى الأخص الحلقات الأولى منه جاءت مخيبة، ودون مستوى التوقعات، خصوصًا أنه أعقب عملًا قويًّا ومؤثرًا للقصبي حمل اسم «العاصوف»، وتوقع المتابعون أن يصعد بعمله الجديد إلى درجة أرقى، لكنه فوجئو بتواضع العمل، حتى قال بعضهم إنه بدأ وكأنه لمجرد إثبات الحضور للقصبي.

انتقادات مبكرة

ما إن انطلقت الحلقات الأولى لمسلسل (ممنوع التجول) للقصبي، حتى واكبته انتقادات فنية أبدت استياءها من المستوى الذي قدمه، فيما قال آخرون إنه لا بد من منح القصبي فرصة للحكم أكثر على عمله الجديد، ومنهم الشاعر فهد المساعد الذي غرد بعد الحلقة الثانية، قائلًا «‏ممنوع التجول.. نعطيهم فرصة للحلقة الثالثة.. وأرجو ما تكون الثالثة ثابتة.. ‏مع ثقتنا بنجمنا القصبي ومحبتنا له». بدوره، غرد الإعلامي السعودي عبدالله الذبياني «فناننا الكبير ⁦‪@algassabinasser‬⁩ بحاجة إلى مدير أعمال محترف.. وليكن من أي جنسية، عليه أن يعرف أنه بعد وحلقاته الفكرية في أو (طاش ما طاش) تجاوز ضرورة التواجد، توقعات المشاهدين أعلى».

عمل ضعيف

أوضح الناقد الفني يحيى مفرح زريقان أن «ممنوع التجول» يعج بالضعف، وقال «العمل ضعيف فنيًا من حيث كتابة النص، ومن حيث المعالجة الدرامية، وضعف المحتوى من حيث سلامة الفكرة، كذلك ضعف الأدوات الفنية التي تظهر جماليات العمل المكتوب أو العمل النصي أو الإبداعي، ولأن فاقد الشيء لا يعطيه جاء ظهور مسلسل أو برنامج أو لقطات سريعة تحت مسمى ممنوع التجول بهذا المستوى، إذ لم يكن لدى المنتج وفريق العمل مشروع حقيقي لتقديم عمل حقيقي في أي لون».

وأضاف «منتج ممنوع التجول لم يكن لديه مشروع حقيقي لتقديم عمل يتواكب مع ذوق المشاهد، وما يسيطر عليه من قضايا وهموم، وبالتالي ظهر العمل سطحيًّا ويستحق أن يقال إنه عمل لا يحترم وعي الجمهور وحالة النضج التي وصل إليها رجل الشارع، ويمكن القول إنه يسجل كسقطة جديدة يقودها النجم ناصر القصبي في مسيرته الفنية». وتابع «الانتقادات التي طالت المسلسل ردة فعل طبيعية، فالجمهور والمراقبين والمتابعين والمنتجين كانوا ينتظرون من القصبي عملًا يليق بتجربته وسنه ومشواره الفني، والمرحلة التي يعيشها على صعيد شخصي، وقد كنا ننتظر أن يقدم لنا ما يعبر عن آمالنا وطموحاتنا وقضايانا وهمومنا، لكنه قدم ما يجري بسطحية، ودون احترام كبير لوعي الناس». وأكمل «علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا، ونقر أننا مصابون بخيبة أمل تجاه تجربة فنان كنا نرى فيه مشروعًا حقيقيًّا للدراما السعودية».

الدراما الاجتماعية

يضيف زريقان «الفرصة الوحيدة التي كان من الممكن أن يسجل فيها القصبي حضورًا فنيًّا مميزًا هو الدراما الاجتماعية، ففيها كان يمكنه تقديم أعمال حقيقية تعكس قيم المجتمع السعودي وما يتمتع به من ثروة عالية المستوى في العادات والمفاهيم والطريقة وأسلوب الحياة، لكنه غيّر رأيه، فعندما أعلن عن إنتاج مسلسل العاصوف أفاد بأنه سينتج خمسة أجزاء، أزعم بأنه أنتج جزأين، وتملص من الثالث في الموسمين الماضيين، ما أكد عدم جديته ورغبته في تسجيل مشوار ناصع مليء بالنجاح كما عهدناه». ويتابع «ممنوع التجول لا يمت للدراما بصلة، هو فقط مواقف تم تصميمها لمحاولة انتزاع الضحكة من الجمهور والمتابعين، ولكنه فشل في حلقاته الأولى، والكتاب يبان من عنوانه، فلو كان العمل جيدا لكانت حلقته الأولى جيدة».

ويكمل «قدم عبدالله السدحان عملًا مميزًا هذا العام، وكذلك أسعد الزهراني من خلال عمله باركود». ويرفض زريقان المقارنات بين الفنانين، لكنه يتحدث عن الفرق بين القصبي والزهراني هذا العام، ويقول «في الفن ليس هناك مقارنات بل هناك أسلوبية.. عمل باركود مثلًا مكتوب بشكل جيد، هناك انسجام بين الممثلين، بمعنى أن اختيارهم ملائم للأدوار لذلك جاءت المشاهد سلسلة، بينما في «ممنوع التجول» أضعف تكرار الأسماء العمل، كما أن ضعف النص ترك أثره على العمل».

وعن هيمنة النجم الواحد في العمل قال «هيمنة النجم الواحد تضعف المشاركين والعمل بأكمله، كما في (ممنوع التجول) حيث أضعفت الهيمنة الفردية المشاركين، بينما في (باركود) هناك نجوم بجوار نجم العمل.. نحن على أبواب مرحلة سنرى فيها صعود نجومية لعدد كبير من الأسماء الشابة تستحق أن تصعد المنصات الإعلامية والفنية وتقدم نفسها».

وعن الزهراني قال «الزهراني يملك إمكانيات كبيرة كممثل، والعام الماضي كان لديه مشكلة أعاقت ظهوره على الشاشة، لكن ظهوره هذا العام نتمنى أن يكون تمهيدًا للتخطيط لتقديم عمل درامي كبير وعميق يغوص في ثنايا المجتمع السعودي، ويقدم ما يريده أفيهات أو أعمال كوميدية كما يحلو له في جوانب أخرى».

مبالغة بالدعاية

يرى الناقد الفني فهد الأسمري أن قوة الإعلانات والدعاية للمسلسلات الرمضانية، تهيئ الجمهور لعمل قوي، يفوق سابقيه، وقال «يفترض أن يكون نص أول الحلقات قويًّا ليجذب المشاهد من أول حلقاته، لكن أن تأتي ضعيفة، فهذا يصدم الجمهور بغير المتوقع، ما يسبب له خيبة، ربما يكون من أسبابها اعتماد القناة على (كاتب واحد للنص)، وتخليها عن البحث عن كتَّاب يمتلكون أفكارًا ومواهب متعددة، بدل التعثر في فخ التكرار. كما أن تكرار الممثلين، وكأن المشاهد ملزم بأن يرى ممثلين بعينهم يطرح تساؤلات عدة أهمها يتعلق بما إن كان نبع المواهب قد نضب، وهذا خلق حالة من الملل لدى المشاهد لأنه أصبح يقرأ أحداث الحلقة من بدايتها لتكرر الأفكار، أو لأن النص الخاص ‏بها ضعيف جدًا، حتى الإخراج بات مكررًا ومملًا».

وواصل «كل ذلك أدى إلى ضعف واضح في المسلسلات التي تعرض خلال رمضان، والتي تتواكب عادة بالمبالغة في إيهام المشاهد بالدعاية لها لكنه يفاجئ بأنها ضعيفة ولا تقدم ‏شيئًا جديدًا». وأنهى حديثه «نتمنى أن ‏يكون هناك لجان مختصة في مراجعة النصوص ‏والأفكار لتجنب تكرارها، ‏وضرورة تقديم المواهب من الشباب بالتمثيل الاحترافي وكتابة النصوص والإخراج».

عمل مكرر ومتذبذب

يبين الناقد الفني عبدالرحمن الناصر أن مسلسل «ممنوع التجول» من مسلسلات المتصل المنفصل، بمعنى أنه قدم لنا في بعض الحلقات عملًا هابطًا ثم يقفز بنا إلى مستوى بعيد في رقي الدراما، كما أنه لم يقدم سابقًا. وتابع «حتى في (طاش ما طاش) الذي قدم سابقًا كان يحفل بكوكتيل من الحلقات، منها حلقات باردة، ثم يقفز بنا إلى حلقات الملتهبة، وأتوقع حسب رؤيتي الفنية أن (ممنوع التجول) بني على هذا الأساس». واستدرك «في حقيقة الأمر، المسلسل يعطي إيحاء بأن كتابة النصوص باردة، بل هناك خلل، خاصة مع تطور الدراما العالمية والابتعاد عن السرد الحكواتي إلا أنه ما زال يسير على هذه السياسة، فالمشهد الطويل والكلام الكثير في المشاهد مسائل ابتعدت عنها الدراما العالمية بشكلٍ كبير، ومن الحلقات الأولى للعمل توقعت أن ينجح في خمس حلقات فقط، وقد فوجئ الجمهور في أول حلقاته بعرض سطحي ممل لا يتوازى مع أبطال العمل».

وأكمل «منذ ابتعد القصبي وفارق (طاش ما طاش) وأعماله متفاوتة، وتلك هي الحقيقة، (سلفي) كان مبهرًا، لكنه لم يكن عملًا فنيًّا دقيقًا، حتى لو قمنا بسؤال أي متابع عن مسلسل (سلفي) فإنه لن يتذكر من الـ60 حلقة سوى 3 حلقات، كانت تناقش قضايا داعش، وقبله مسلسل (أبو الملايين) الذي شارك فيه العملاق عبدالحسين عبدالرضا، ومشاركته هي التي جلبت هذا الزخم الجماهيري للمسلسل، أيضًا الطموح لدى متابعي القصبي بأنه سيقدم عملًا مختلفًا مع عبدالحسين عبدالرضا ولكنه ظهر بعمل مفكك لم يبنَ بطريقة احترافية، وعندما نعرج على (العاصوف) وبالرغم من أنه عمل مفكك فإنه حظي بمتابعة لعدة عوامل ومنها العامل الوجداني، كذا لعامل المفاجأة في بداية حلقاته خاصة حلقة اللقيط، إضافة إلى ذلك التتر وأغنية التتر، كل هذه العوامل جعلت العمل يتطلع لأن يكون من الأعمال المنافسة على المستوى العربي، وهذه حقائق لابد أن يدركها النقاد والممثلون خاصة القصبي بالرغم من قدراته ونجوميته».

وبين «أن (ممنوع التجول) ليس تقليدًا من «طاش ما طاش» لكنه عموده الرئيس من «طاش ما طاش» كعمل متصل منفصل، وهذه حقيقة، حتى أن المشاهدين بدأوا يتحدثون أنه مستنسخ من طاش ما طاش، في وقت كنا نتمنى من القائمين عليه ابتكار شيء جديد لتقديمه للمشاهد».

ردة فعل سريعة

يشدد الناقد الفني محمد الرشيدي في حديثه لـ«الوطن» على أن التفاعل السريع من المشاهدين وردات فعلهم التلقائية على الأعمال الدرامية خصوصًا في رمضان حيث يستفيدون من وسائل التواصل الاجتماعي لإبداء آرائهم دون قيود، أوجدت ما يسمى «ردة الفعل»، وهي تختلف عن النقد بالمفهوم العلمي المعروف، ولردة الفعل هذه تأثر أقوى ووصول أوسع لأنها طبيعية وعفوية، وتمثل حالة المشاهد. وتابع «من الطبيعي أن يواجه «ممنوع التجول» هذا الانتقاد أو التفاعل بصورة سلبية ضده في حلقاته الأولى، فالجميع وكما اعتاد ينتظر عملا دراميًّا يحقق جزءًا من أمنياته كون الدراما المحلية تنشط في رمضان، ونسبة المشاهد عالية فيها، وفي الحقيقية تابعت ردود الفعل التي شهدت موجة انتقاد سلبية عالية، وهذا أمر طبيعي إذا لم يكن العمل يتوافق مع التطلعات».

واستطرد «استغرب هذا المنحنى الدرامي الذي وصلنا إليه بصورة محزنة للأسف، فلا تعرف هل أنت أمام عمل درامي متكامل أم أمام مواقف تجميعية تحت مسمى دراما تعتمد على تاريخ من يقدمونها، فالمشاهد لا يرحم، وردة فعله لا يمكن إيقافها، وهذا الأمر تكرر كثيرًا في السنوات الأخيرة مع النجم ناصر القصبي الذي أصبح يعمل مستندًا فقط على تاريخه دون اهتمامه بالمنتج الذي يقدمه، وهذه كارثة إذا وصل لها النجم في المجال الدرامي كونه يصبح لا يسمع إلا نفسه، وتزداد المعضلة إذا كان يملك حسابًا مؤثرًا في وسائل التواصل الاجتماعي، فينتقل من المرحلة الأهم وهي النجم الذي يشارك النقاد والمشاهدين ردود أفعالهم، إلى أن يصبح لا يسمع وإنما يوجه ويتحدث أحيانًا بقضايا لا تتناسب مع مجاله، حتى لو كان فاهمًا فيها، وهذه من السلبيات التي نعيشها حاليًا، وتسببت بإضعاف الدراما لدينا».

أسعد: غيبني المحتوى وأعادتني الحرية

تألق النجم أسعد الزهراني في رمضان الحالي في عمله «باركود» الذي يستعرض الواقع الاجتماعي في إطار كوميدي متنوع ساخر، ويصور المواقف المجتمعية بحلقات منفصلة يوميًّا طيلة شهر رمضان. ويعرض المسلسل حصريا على قناة السعودية في تمام الساعة 7:5 مساء ويعاد في تمام الساعة 2:5 صباحًا، وهو من بطولة أسعد الزهراني، ومحمد القس، ومحمد جبرتي. وشدد الزهراني في حار قصير مع الوطن «على أنه غاب عن الموسم الماضي لأنه لم يجد المحتوى اللائق الذي يستحق أن يقدمه، وأنه عاد هذا الموسم مستفيدًا من مساحة الحرية التي أتيحت أخيرًا للفنان لتقديم قدراته.

غبت عن الموسم الماضي، ما الذي أضفاه غيابك فيه إلى حضورك هذا الموسم؟

- غبت الموسم الماضي لأنني لم أجد المحتوى الذي یلیق بمسیرتي الفنیة، ویلیق بذائقة جمھوري.. كان الأمر استراحة محارب بالنسبة لي، وكنا نعمل في ورشة كتابة لبحث وتطویر محتوى ممیز یجعل العمل ملتصقًا بذاكرة الناس، وعلى ما أعتقد بعد أن ظھر اسم أسعد الزھراني تریند في أول حلقة عرض، فإن هذا دليل نجاح، تثبت فائدة أن يدرس العمل جيدًا قبل التنفیذ، ولله الحمد كانت الأصداء مميزة وتثلج الصدر.

ندد إعلام الحوثي بحلقة «باركود»، ھل تتوقع أن رصاصة الفن أصابتھم، وھل وصلك أي تعلیق منھم؟

ـ بالطبع، فالفن رسالة، وعلى الفنان أن یكون حریصًا في انتقاء رسائله التي یرید إیصالھا، وهذا دوري كفنان في نصرة مملكتنا الحبیبة، وإظھار الحقائق للناس. ودورنا كذلك أن نبين لإخواننا وأشقائنا في الیمن حقیقة ھذا النكرة الحوثي وأتباعه، وقد وصلت كثير من الرسائل التي عقبت على الحلقة وذلك من جهات محسوبة على إعلام الحوثي، ومن الإعلام اليمني ومن جمھوري الحبیب.

ما رأیك بالدراما السعودیة ھذا الموسم؟

ـ حتى الآن لم تتح لي الفرصة لمتابعة أعمال زملائي بدقة، وإن كنا نشهد تطورًا وإبداعًا للقنوات التابعة لھیئة الإذاعة والتلفزیون ویشكرون على جھودھم المستمرة للوصول إلى القمة، ومع ذلك فإن الصداء الأولية لبعض الأعمال تشير إلى بعض الملل من التكرار الذي يحدث في الأعمال الكوميدية.

ما مبرر هذا الملل برأيك؟

ـ قلة الكتاب والممثلین تقلل وهج الإبداع، ويقود أحيانًا إلى التكرار.

ما التأثیرات التي طرأت على الكومیدیا السعودیة في المواسم الأخيرة؟

ـ الحمد الله نحن الآن في عصر التطور، وأصبحت الحریة المتاحة لنا كممثلين وعاملين في الدراما أوسع، وكثير من القيود التي كانت تفرض بشكل خاطئ أزيلت، ولم تعد تمنع الممثل من تقديم كل ما يمتلكه من إمكانيات، وعرض كل الأفكار التي يريد تقديمها دون قيود.

أبرز انتقادات «ممنوع التجول»

لم يكن بمستوى الدعاية التي سبقته

حلقاته الأولى كانت مخيبة

المتصل المنفصل لم يخرج من عباءة طاش ما طاش

اعتمد فقط على هيمنة القصبي الفردية

افتقد لقوة النص وللمشروع الفني المتكامل

حبكته الدرامية ضعيفة

تركيزه على التوعية كان بدائيًّا