إذا كانت أغنيتا (حبيبي ضمني ضمة)، و(عند النقا ويلاه) من أغنيات الراحل طلال مداح، الأكثر شهرة في بدايات مسيرته الحافلة، فإن كاتبهما الشاعر الراحل فهد العيسى يظل اسمه محفورا في ذاكرة الأغنية السعودية، بقصائده المغناة التي صدح بها فنانو جيله الذين يمثلون انطلاقة الأغنية السعودية الحديثة، ومنهم الموسيقار طارق عبدالحكيم الذي احتكر - بحسب الإعلامي الراحل عبدالرحمن الشبيلي - أداء أكثر قصائد العيسى الغنائية، ومن أشهرها (أسمر عبر) و(لك عرش وسط العين)، بينما تبارى: طلال ومحمد عبده وسميرة توفيق وهيام يونس لأداء كلماته الغنائية، التي ينتظر أن توثق في مشروع يلحق بـ(أعمال العيسى الكاملة) الصادرة أخيرا، ضامة دواوينه الشعرية بدءا من «على مشارف الطريق» الذي صدر عام 1963، انتهاء بـ»عندما يزهر الحب» آخر ديوان صدر له عام 2013، وما بينهما من دواوين وهي «ليديا 1963»، «الإبحار في ليل الشجن 1980»، «دروب 1989»، «الحرف يزهر شوقا 1989»، «ندوب 1994»، «حداء البنادق 1997»، «ليلة استدارة القمر 2001»، «عاشق من أرض عبقر2007»، «أين قفاة الأثر 2007»، من جمع وإعداد ابنته الدكتورة إيمان فهد العيسى.

الفهد التائه

يكاد يكون الراحل غازي القصيبي أشهر شاعر سعودي عمل وزيرا ودبلوماسيا، وربما سبقه في هذه الميزة الشاعر الراحل حسن القرشي، وإن لم يحقق شهرة القصيبي، لاختلاف ظروف وسياقات المرحلة، لكن هناك ما يميز العيسى، أنه كان أكثر صلة بالوسط الغنائي، إضافة إلى تعيينه مبكرا في وزارة الخارجية، وعمله سفيرا للسعودية في دول: موريتانيا، وقطر، والكويت، والأردن، وسلطنة عمان، والبحرين. ويروي الشبيلي أن العيسى «في المجتمعات الستّة التي عمل فيها سفيرًا، كان مجلسه مفتوحا على الدوام منذ أن بزغ نجمه قبيل الثمانينيات الهجرية من القرن الماضي (الستينيات الميلادية) وكانت مشاركاته الثقافية لا تغيب ولا تنقطع، وإبداعاته الشعرية تتجلَّى في كلِّ منعطف مرّ بالوطن»، إلى أن يذكر «أن المجتمع الثقافي عرف أن الراحل كان ينشر بعضاً من مقالات وقصائد باسمه الصريح أو بأسماء مستعارة مثل «الفهد التائه وبدوي الدهناء والحطيئة وسليم ناجي». بينما عده رئيس نادي الرياض الأسبق الشاعر عبدالله بن إدريس في كتابه (شعراء نجد المعاصرون) ضمن ثمانية من شعراء عنيزة، واصفا إياه بـ»أنه شاعر عاطفي ذو طاقات فنيَّة رائعة في استغلال تلك الإمكانات الشعرية في إطار الذاتية المحدودة».

كفر وزندقة

ترصد الأعمال الكاملة للشاعر العيسى، التي تراوحت ما بين القصيدة البيتية، وقصيدة التفعيلة، بعضا مما مر عليه في مراحل صباه من رومانسية، ومن خواطر وخلجات نفس، وبعض القصائد تشير إلى الفترة العصيبة التي مر بها إبان الحملة الشرسة التي تعرض لها في الستينيات إثر نشر ديوانه «ليديا»، ففي قصيدة حرية الفكر يقول (لا يا رفاقي فلن نرضى بذا أبدا/ حرية الفكر أفديها أنا بدمي/ يا إخوتي يا رفاقي يابني وطني/ كيف الدخيل يسوس الناس في الحرم»، إشارة إلى سكرتير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمكة المكرمة الذي اتهم الشاعر بالعشق والكفر والزندقة، وبعض القصائد المغناة التي لاقت اعتراضا من البعض، ومن أبرزها أغنية طلال المشار إليها أعلاه. ناهيك عن بعض القصائد التي جسدت الآلام التي اكتوت بها أسرته نتيجة فقد عدد من أفرادها في ظروف متتالية، ومنها قصيدة «نفثة محزون» التي رثى فيها أخاه عبدالعزيز قائلا «أخي كنت بالأمس ملء القلوب/ وملء المسامع زز ملء البصر/ أخي كنت بالأمس لحن الحياة/ بك الدهر يشدو لدنيا البشر/ أخي كنت بالأمس عزما يدك الخطوب قويا أبيا، أغر».